الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} يعني: لا يكاد يعبر حجة.ويقال: معناه: ألا تنظرون إلى فصاحتي، وإلى عيِّ كلام موسى {فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ} يعني: هلا أعطي أسورة من ذهب.يعني: لو كان حقًا وكان رسولًا كما يقول، لأعطي له المال، فيكون حاله خيرًا من هذا، وكان آل فرعون يلبسون الأساور.قرأ عاصم في رواية حفص (أسْوَرَةٌ) بغير ألف والباقون (أسَاوِرَةٌ) فمن قرأ {أسورة} فهو جمع السوار، ومن قرأ {أساورة}، فهو جمع الجمع.ويقال: أساور جمع سوار.ثم قال: {أَوْ جَاء مَعَهُ الملئكة مُقْتَرِنِينَ} يعني: لو كان حقًا، لأتته الملائكة متتابعين، فيصدقون على مقالته ويقال: {مُقْتَرِنِينَ} أي: متعاونين {فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} يعني: فاستذل قومه فأطاعوه.يعني: حملهم على الخفة، فانقادوا له {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} يعني: كافرين عاصين، وذلك أن فرعون قال لهم: {مَا أُريكُم إلاَّ مَا أرَى}، فأطاعوه على تكذيب موسى عليه السلام {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} يعني: ناقضي العهد.قوله تعالى: {فَلَمَّا ءاسَفُونَا} يعني: أغضبونا قال أهل اللغة: الأسف: الغضب.وروى معمر عن سماك بن الفضل.قال: كنا عند عروة بن محمد، وعنده وهب بن منبه، فجاء قوم فشكوا عاملهم، وأثبتوا على ذلك، فتناول وهب عصا كانت في يد عروة، فضرب بها رأس العامل حتى أدماه، فاستعابها عروة، وكان حليمًا وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب وهو يغضب، فقال وهب: وما لي لا أغضب، وقد غضب الذي خلق الأحلام، إن الله تعالى يقول: {فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} يعني: أغضبونا.ويقال: فلما آسفونا، يعني: وجب عليهم عذابنا {انتقمنا مِنْهُمْ} يعني: أهلكناهم {فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} يعني: لم نبق منهم أحدًا.قوله تعالى: {فجعلناهم سَلَفًا} قال مجاهد: يعني: كفار قوم فرعون، سلفًا لكفار مكة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة: جعلناهم سلفًا إلى النار.قرأ حمزة والكسائي (سُلْفًا) بالضم، وقرأ الباقون (سَلفًا) بنصب السين واللام، فمن قرأ بالنصب فمعناه: جعلناهم سلفًا متقدمين، ليتعظ بهم الآخرون.ومن قرأ بالضم، فهو جمع سليف، أي: جمع قد مضى.ويقال: سلفًا واحدها سلفة من الناس، أي: قطعة.قوله: {وَمَثَلًا لّلآخِرِينَ} يعني: عبرة لمن بعدهم. اهـ.
أي تعرض عنه بوجهها.قوله عز وجل: {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: سنة الأولين، قاله مجاهد.الثاني: عقوبة الأولين، قاله قتادة.الثالث: عِبرة الأولين، قاله السدي.الرابع: خبر الأولين أنهم أهلكوا بالتكذيب، حكاه النقاش.قوله عز وجل: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} أي فراشًا.{وجَعَلَ لَكُم فِيهَا سُبُلًا} أي طرقًا.ويحتمل ثانيًا: أي معايش.{لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ} فيه وجهان:أحدهما: تهتدون في أسفاركم، قاله ابن عيسى.الثاني: تعرفون نعمة الله عليكم، قاله سعيد بن جبير.ويحتمل ثالثًا: تهتدون إلى معايشكم.قوله عز وجل: {وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: الأصناف كلها، قاله سعيد بن جبير.الثاني: أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، قاله ابن عيسى.الثالث: أن الأزواج الشتاء والصيف، والليل والنهار، والسموات والأرض، والشمس والقمر، والجنة والنار، قاله الحسن.ويحتمل رابعًا: أن الأزواج ما يتقلب فيه الناس من خيرٍ وشر، وإيمان وكفر، وغنى وفقر، وصحة وسقم.{وَجَعَلَ لَكُم مِّن الْفُلْكِ} يعني السفن.{والأنعام ما تركبون} في الأنعام هنا قولان:أحدهما: الإبل والبقر، قاله سعيد بن جبير.الثاني: الإبل وحدها: قاله معاذ. فذكرهم نعمه عليهم في تسييرهم في البر والبحر.ثم قال: {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهَا} وأضاف الظهور إلى واحد لأن المراد به الجنس فصار الواحد في معنى الجمع.{ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} أي ركبتم.{وَتَقولواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} أي ذلل لنا هذا المركب.{وَمَا كَنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: ضابطين، قاله الأخفش.الثاني: مماثلين في الأيد والقوة، قاله قتادة من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة.الثالث: مطيقين، قاله ابن عباس والكلبي، وأنشد قطرب لعمرو بن معدي كرب. وفي أصله قولان:أحدهما: أن أصله مأخوذ من الأقران، يقال أقرن فلان إذا أطاق. الثاني: أن أصله مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير.وحكى سليمان بن يسار أن قومًا كانوا في سفر، فكانوا إذا ركبوا قالوا: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وكان فيهم رجل على ناقة له رازم وهي لا تتحرك هزالًا فقال أما أنا فإني لهذه مقرن، قال فقصمت به فدقت عنقه.قوله عز وجل: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} فيه أربعة أوجه:أحدها: عدلًا أي مثلًا، قاله قتادة.الثاني: من الملائكة ولدًا، قاله مجاهد.الثالث: نصيبًا، قاله قطرب.الرابع: أنه البنات، والجزء عند أهل العربية البنات. يقال قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات. قال الشاعر: {إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ} قال الحسن: يعد المصائب وينسى النعم.قوله عز وجل: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} أي بما جعل للرحمن البنات ولنفسه البنين.{ظَلَّ وَجْههُه مُسْوَدًا} يحتمل وجهين:أحدهما: ببطلان مثله الذي ضربه.الثاني: بما بشر به من الأنثى.{وَهُوَ كَظِيمٌ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: حزين، قاله قتادة.الثاني: مكروب، قاله عكرمة.الثالث: ساكت، حكاه ابن أبي حاتم. وذلك لفساد مثله وبطلان حجته.قوله عز وجل: {أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي الْحِلْيَةِ} النشوء التربية، والحلية الزينة. وفي المراد بها ثلاثة أوجه:أحدها: الجواري، قاله ابن عباس ومجاهد.الثاني: البنات. قاله ابن قتيبة.الثالث: الأَصنام، قاله ابن زيد.وفي {الْخِصَامِ} وجهان:أحدهما: في الحجة.الثاني: في الجدل.{غَيْرُ مُبِينٍ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه عني قلة البلاغة، قاله السدي.الثاني: ضعف الحجة، قال قتادة: ما حاجت امرأة إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها.الثالث: السكوت عن الجواب، قاله الضحاك وابن زيد ومن زعم أنها الأصنام.قوله عز وجل: {وَجَعَلُواْ الْمَلآئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثًا} في قوله: {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} وجهان:أحدهما: أنه سماهم عباده على وجه التكريم كما قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الِّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}.الثاني: أنه جمع عابد.وفي قوله: {إِنَاثًا} وجهان:أحدهما: أي بنات الرحمن.الثاني: ناقصون نقص البنات.{أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} يحتمل وجهين:أحدهما: مشاهدتم وقت خلقهم.الثاني: مشاهدتهم بعد خلقهم حتى علموا أنهم إناث.{سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} أي ستكتب شهادتهم إن شهدوا ويسألون عنها إذا بعثوا.قوله عز وجل: {بَلْ قالواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} فيه خمسة أوجه:أحدها: على دين، قاله قتادة وعطية، ومنه قول قيس بن الخطيم:
|